السبت، 16 مايو 2009
النسور في الغابات
أفريقيا هى قارة السماء الواسعة وأراضيها الريفية الممتدة تتوجها مشاهد سماوية رائعة تغطى السهول والجبال والغابات وأراضى الأمطار. ويسبح فى سماء هذه البانوراما عائماً فوق الهواء المضطرب والحياة الأرضية الغنية بالنسور الأفريقية ملوك الفضاء.
يصحبنا اندريو جينكنز لنتعرف على خمسة من النسور الجارحة العملاقة من بين طيور هذه القارة.
يقول ان كلمة نسر هى مصطلح واسع ينطبق على عدد من مجموعات الطيور داخل العائلة المعروفة باسم اسيبيتريديا وتشمل على سبيل المثال نسور الصيد والصقر والنسور الحقيقية ونسور الأفاعى .
ملك الفضاء .. أقوى الطيور الجارحة على سطح الأرض
والقارة الافريقية تضم بعض أكبر وأقوى الطيور الجارحى على سطح الأرض ويعيش فى أفريقيا أكثر من 40% فى أنواع النسور وكذلك فى الجزر القريبة منها. وقد تم تسجيل 28%من أنواع النسور تعيش فى قارة أفريقيا من بينها 21% من أنواع النسور تسكن وتتوالد فى أفريقيا , و5% من أنواع النسور على مستوى العالم. تهاجر إلى افريقيا فى الصيف بانتظام بعضها يتوالد فى أفريقيا و 2% من النسور المتجولة التى تزور أفريقي من آن لآخر, وبالمقارنة بأفريقيا يعيش فى أوروبا والشرق الأوسط ثمانية أنواع من النسور ويعيش فى استراليا ثلاثة انواع ويعيش أربعة انواع من بينها نوعان متجولان فى امريكا الشمالية , وبذلك تكون أفريقيا أكبر مركز عالمى لتنوع النسور.
وبينما هذه الأنواع من النسور المعقوفة الأنف تعكس التنوع والوفرة فى البيئات الأفريقية هناك خمسة أنواع رئيسية هى الأ كبر والأكثر ضراوة والأكثر إنتشاراً وهذه الأنواع تسيطر على أربع بيئات رئيسية عبر القارة.
والنسور السوداء تسيطر على الجبال والتلال ونسر السمك الذى يتميز بالصخب هو ملك المجارى المائية والنسر المتوج هو سيد الغابات, والنسر الشجاع العربى يحلق فوق أراضى حشائش السافانا والمناطق شبه الصحراوية فى الخلاء.
ونسر فيروكس الافريقى يساوى النسر الذهبى الذى يعيش فى أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية, وهو النسر الكبير الوحيد الذى يعيش فى الخلاء فى المناطق الجبلية الصخرية الافريقية وهو معروف فى بعض أجزاء جنوب افريقيا وتصل اعداده إلى كثافة غير عادية فى مناطق مثل تلال ماتوبو فى زيمبابوى واجزاء من مناطق كارو فى جنوب افريقيا.
ونس فيروكس الأفريق مميز الشكل لا يخطأه أحد إذ ان ريشه أسود فاحم مثل الكهرمان الأسود ووجهه واقدامه صفراء وجناحاه اللذان يشبهان ورقة النبات مصممان خصيصاً وبروعة من أجل الطيران الانزلاقى ويعيش فى الهواء الجبلى العاصف.
ويعيش فى مجموعات زوجية ويقوم برحلات طيران استعراضية تشمل ثمانى رحلات كلما هبت العواصف على القمم االجبلية وقد تكيفت هذه الأنواع وتعودت على استخدام التيارات الهوائية التى نسببها الرياح على التلال والمنحدرات الجبلية فى ان تظل مرتفعة وثابتة كالصخر اثناء عمليات البحث عن الزلم فريستها المفضلة بين شقوق التلال والمنحدرات.
والعلاقة بين هذه النسور الجارحة والفريسة التى تعيش فى الصخور تعد واحدة من أكبر العلاقات الحميمة فى الطبيعة فالنوعان متصلان لا ينفصمان ابدا فكلما تواجد الزلم تواجدت النسور وكلما كانت هناك نسور يجب ان يكون هناك زلم لتعزيزها.
بيئة صخرية
هذا الزلم وهو من الثدييات فى حجم الأرنب يتواجد بأعداد كبيرة فى البيئات الصخرية فى المناطق شبه الصحراوية فى افريقيا.
وبينما تكون هذه الحيوانات فى أمان نسبى داخل الجحور والشقوق الصخرية ننعرض لخطر الهجمات من الهواء عندما تخرج من بيوتها لتستدفىء فى الشمس او للبحث عن الغذاء بين النباتات المحيطة.
وهذه الثدييات تمثل 90% من وجبة النسور المعروفة باسم فيروتكس وهذه شهادة علة كفاءة النسور كصيادين متخصصين فى الصيد.
تنزلق النسور بسرعة كبيرة على طول المنحدر أو قمة الجبل للانقضاض على الفريسة على حين غرة ويفاجئها عندما تكون بعيدة جدا عن جحرها.
ويقوم زوجا النسور بتبادل استهداف الفريسة من ارتفاع كبير ومن مسافة بعيدة ويحققات عنصر المفاجأة من خلال السرعة المطلقة وقوة الهجوم وغالبا ما يقوم الزوجان من النسور أى الذكر وانثاه بتنسيق عملية الصيد معا حيث يتقدم أحدهما لابعاد وترويع الفريسة بينما يقوم الآخر بالاندفاع من أجل القتل.
وبعد أن يخمد تراب المعركة يتردد صدى صوت صراخ الفرائس المزعورة داخل الجحور، بينما يبدأ النسر العظيم الأسود فى تناول غذائه فوق برج الصخرة.
يوجد نسر السمك ذات الرأس الابيض المكتنز الجسم على طول الانهار وعلى اطراف البحيرات الكبرى والسدود وهو طائر انتهازى قد يسرق الغذاء من الطيور الجارحة الاخرى الاقل قوة او يفترس الثدييات وطيور المياه وهو أول آكل للأسماك، واستراجيته الرئيسية للغذاء بسيطة حيث ان هجماته تتم عادة فى المياه المفتوحة ومن ثم فمن السهل ملاحظتها وتسجيلها.
هذا النسر الصياد يحتاج أولا إلى منطقة مميزة تمنحه القدرة على مراقبة المناطق المحيطة او انه يحلق فوق شاطىء مرتفع أو شجرة تطل على المياه او يستخدم الرياح او الارتفاع الحرارى ليحلق فوق المناطق التى توجد بها الاسماك.
والنسور السمكية غالبا ما تتغذى على الأسماك التى تطفو على سطح المياه مثل سمك البربيل حيث تكتشفها النسور برؤيتها مباشرة أو باكتشافها داخل المياه العكرة او فى مياه المستنقعات بتمييز الحركات الغامضة من ارتفاع 30 سنتيمترا لعمق المياه.
غطسة خفيفة
وبمجرد تحديد الهدف يهبط النسر بغطسة خفيفة سطحية لختطاف السمك فى فوق سطح المياه.
والسمكة ضخمة الحجم تمثل تحدياً كبيرا للنسر ولكنه يصمم على عدم التنازل عن صيده واذا لم يستطع رفعه من فوق سطح المياه فإنه يعوم معه ويجدف بجناحيه حتى يصل إلى الشاطىء ليعلن فى النهاية فوزه بالجائزة السمكية.
أما السمكة الصغيرة التى يقل وزنها عن 2 كيلو جرام فإنه من السهل افتراسها.
ومن بين أكبر وأقوى انواع النسور واندرها تلك التى تعيش فى أعماق الصحراء المظلمة، فى افريقيا النسر المتوج وهو أكبر وأقوى انواع النسور التى تعيش فى العالم ولكنه يظل معروفا بصفة خاصة على طول الانظمة النهرية الكبيرة فى اراضى المستنقعات المنخفضة وفى المناطق العربية والوسطى والجنوبية والشرقية من القارة الافريقية وفيما عدا اتصالاته بالنسور الاخرى فى الفضاء واستعراضاته فى الطيران والمصحوبة بأصواته الحادة فإن هذا النوع المتموج من النسور المتوجة يعد غامضا فهو يقضى معظم وقته جاثما فوق أعلى أشجار الغابات تميزه ألوان ريشه البنية والبيضاء وعيناه الصفراوتان اللامعتان واللتان تسطعان فى الظلام الدامس.
يراقب وينتظر ومن آن إلى آخر يتحرك على قدميه السميكتين الممتلئتين بالعضلات او يرفع عرفه الصغير المستدير فى اعجاب.
خفة الحركة
ويستطيع النسر المتوج بمساعدة جناحيه العريضين القصيرين وذيله الطويل ان يطير بسرعة وخفة خلال البيئة النباتية الكثيفة وهو يعتمد كثيرا على خفة الحركة وقوته الكبيرة فى الامساك وقتل الفريسة. يتغذى فى الغالب على الثدييات بما فى ذلك الانواع الصغيرة مثل الزلم والنمس والقوارض الكبيرة ووجبته الغذائية الرئيسية هى الانواع الكبيرة مثل القرود والظباء وقد تكون هذه الفرائس أثقل وأكبر من النسر نفسه حيث يصل وزن الظبى الصغير إلى 20 كيلو جراما.
وبعد طول انتظار وصبر طويل فى الظل يقوم النسر المتوج بمهاجمة الفريسة فى انقضاضة ويسيطر عليها بعد معركة قصيرة على أرض الغابة.
ويغرز مخالبه فى جسدها وهو لا يستطيع رفع الفريسة الكبيرة مرة واحدة إلى أعلى الشجرةحيث الأمان بل يقوم بتمزيقها بمنقاره وينقل أجزاء كبيرة منها بعيدا لاستخدامها فى المستقبل.
وفى بعض المناطق يتغذى النسر المتوج على القرود بصفة خاصة وتظهر أدلة الحفريات ان النسور ربما كانت تصطاد انواعاً اخرى من القرود واسلاف الجنس البشرى وهناك روايات تقشعر لها الأبدان عن هجمات للنسور على الأطفال الصغار مما يبرر الشعور غير المريح الذى ينتاب الانسان عندما يسير فى الغابات الافريقية ويرى فجأة وحشاً على أحد الاشجار يثبت عينيه عليه من خلال أوراق الشجرة.
وأكبر أنواع النسور فى افريقيا هو النسر الشجاع ويوجد فى بيئات كثيرة وبصفة خاصة فى سهول السفانا والأراضى شبهالصحراوية وهو نسر شرس ظهره بنى اللون يزين صدره الابيض العريض وبطنه نقاط سوداء وغالبا ما تلفت هيئته الكبيرة النظر وهو جاسم فوق أحد الأشجار الطويلة وهو يستطلع الأفق بعينيه الصفراوين الغائرين فى رأسه ذات العرف الصغير المستدير.
وبينما تستخدم الأنواع الأخرى من النسور مثل نسر فيروكس والنسر المتوج السرعة وعمليات الاختفاء فى تأمين الانقضاض مع الفريسة فإن النسر الشجاع يعد بحق ملك الفضاء وينفذ معظم عمليات الصيد فى الجو.
وعندما تشرق أشعة الشمس الافريقية وتبدأ فى تدفئة السهول تتكون جيوب الهواء الدافىء وتصعد إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوى وفى منتصف الصباح يكون النسر الافريقى الشجاع قد صعد هو الآخرإلى الجو مسخدما جناحيه العريضين فى الامساك بالهواء الصاعد ويعوم بوزنه الثقيل فى الفضاء وبمجرد أن يصبح فى الفضاء يراقب كل المناطق الممتدة أمامه ويرتفع وينتقل من عمود هوائى إلى آخر بالغلاف الجوى.
ويظل دائما يقظا يراقب أى حركة بسيطة على الأرض بين السهول مثل حركة نمس لكى يبدأ الهجوم.
ويقضى هذا النسر معظم وقته يستطلع الأرض بهذه الطريقة وتتم معظم الهجمات على الفريسة فى مناطق المستنقعات حيث يقوم بعمليات انقضاض سريعة فى ارتفاع كبير وتكون الكفاءة فى القتل سببها سرعة الهجوم والمفاجأة.
وهناك النسر العنيف وقد لايكون من الأنواع الكبيرة ولكنه من الأنواع الافريقية غير العادية من حيث الشكل والتصميم وألوانه تختلف تماما عن انواع النسور الاخرى فلون جلد وجهه أحمر ولون رجليه أسود ولون الجسم والأجنحة أبيض والذيل يجمع بين الألوان الرمادى والكريم والأحمر والبنى.
وهو مثل آلة تطير فىى السماء ومثل طائرة قاذفة طراز 747.
والنسور طيور مفترسة كبيرة الحجم تظل محمولة جوا لفترات طويلة من أجل الصيد بفاعلية وتخفض استهلاكا للطاقة اثناء الطيران إلى أقل حد ويساعدها فى ذلك اجنحتها العريضة الكبيرة وذيلها وتتمتع بالاتزان اثناء الانزلاق والمناورات.
مزايا مختلفة
ومعظم النسور تتمتع بهذه المزايا خاصة التكيف مع البيئات المفضلة ويختلف فى ذلك النسر العنيف الذى يتمتع بمزايا طيران مختلفة ويمارس مهامه بطريقة مختلفة تماما واثناء الطيران تستطيع ان تميزه بسهولة من خلال جسمه القصير الضخم وجناحيه الطويلين الرفيعينوذيله القصير لدرجة ان اصابع رجليه تفوقه طولا وهو يتميز بطول رحلةالطيران على السطح ويقلل من الطيران فى العمق ويقاوم اثار اضطرابات الهواء حول جناحيه وعمليات الانزلاق يقوم بها طوال اليوم.
ومعظم النسور الهوائية فى قارة افريقيةتطير على إرتفاع منخفض بسرعة كبيرة فوق حشائش السفانا وتمشط المنطقة برءوسها منكسة نحو الأرض بحثا عن الفرائس المناسبة مثل الثدييات الصغيرة والطيور والزواحف بما فى ذلك الثعابين او جثث الحيوانات الصغيرةمن بقايا غذاء الطيور الجارحة الأخرى.
وبهذه الطريقة تقطع النسور مئات الكيلومتراتفى الطيران عبر القارة وتظل محمولة جواًفوق جيوب الهواء المتصاعد ويؤدى قصر الذيل إلى خفض قدرته على الاستقرار فى الهواء فيتأرجح من جانب إلى جانب كما لو كان يسير على الحبل او على سلك اثناء عمليات التمشيط بحثا عن الفريسة.
ورغم اهمية النسور الكبيرة للبيئة ومكانتها العظيمة وشكلها الجذاب إلا انها معرضة لخطر الانقراض بسبب تجاهلها المتعمد من جانب البشر والاسراف فى اهمالها , ففى جميع انحاء القارة الافريقية مازال اصحاب المراعى يصطادون ويسممون النسور من اجل حماية قطعان الحيوانات خاصة الخراف والماعز منها رغم انه ليس لديهم أى دليل على مهاجمة النسور لحيواناتهم.
ويبدو انهم لايأخذون فى اعتبارهم النتائج بعيدة المدى لتصرفاتهم تجاه النسور فعلى سبيل المثال خفض عدد النسور فى البيئة المحلية سيؤدى إلى خفض الضغوط على الانواع الاخرى مثل القرود والأرانب الوحشية والزلم التى ستتكاثر فى ظل هذه الحصانة وستنافس قطعان الحيوانات والماشية فى المراعى او انها ستؤدى إلى خفض انتاج المحاصيل على المدىالبعيد.
ورغم ان النسور طويلة العمر نسبيا إلا أنها تتكاثر ببطء فالزوجان الباغام من النسور يربيان صغيرا واحدا فى السنة ومن ثم فإن زيادة نسبة قتل النسور البالغة سيؤدى إلى انخفاض كبير فى عدد النسور وربما انقراض النسور على المدى البعيد.
كما ان اصطياد النسور والطيور الجارحة الاخرى بهذه الصورة الوحشية يؤدى إلى اضعاف سلامة البيئة وفى النهاية اضعاف الانشطة الزراعية كلية.
وفى الوقت الذى يتم فيه تسميم ببعض النسور بشكل متعمد فإن اعداداً اخرى من النسور مثل النسور السوداء المصغرة تموت بحوادث السموم القاتلة وتراكم التلوث وكذلك الطيور التى تعيش على تناول الاسماك مثل نسر السمك فإنها تتأثر سلبا باستخدام المبيدات الحشرية التى تستخدم فى الزراعة ونتيجة لعمليات الصرف فى الانهار فإن هذه المبيدات تخزن فى لحوم الاسماك وفى النهاية تتراكم فى الاجهزة الهضمية للنسور وتؤثر على الصحة وتعوق عمليات التكاثر.
وربما يكون أكبر تهديد للنسور الافريقية هو الفقدان المطرد للبيئة الطبيعية ويحدث ذلك بطريقة واضحة نتيجة عمليات ازالة الغابات وعمليات غرس الأشجار وتحويل الغابات إلى مدن وانتشار الزراعة فى أراضى الغابات وسوء اسخدام ارض المراعى وهكذا تفقد الغابات قدرنها على استيعاب النسور تدلايجيا.
ونظرا لأن النسور من الطيور الجارحة القوية والمؤثرة فى الانظمة الطبيعية وفى نفس الوقت هشة وضحية للتغير البيئى فإنها يمكن ان تكون مؤثراً مفيد للآثار المدمرة للأنشطة الانسانية على الصحة البيئية.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق